كيف تستهدف وحدة استخبارات إسرائيلية رفيعة الفلسطينيين المثليين في الضفة الغربية
مسؤول استخباراتي سابق يكشف عن حملة واسعة النطاق لزرع الشك في جميع أنحاء الضفة الغربية.
في شهر فبراير، كان أدهم، فلسطيني يبلغ من العمر 20 عامًا، في زيارة إلى منزل عائلته في الضفة الغربية. في إحدى الليالي أثناء تصفحه عبر جرايندر Grindr، تطبيق مراسلة للمثليين، تلقى رسالة من مستخدم مجهول "مرحبًا"، كتب المستخدم، قبل "النقر"، و هي خاصية التطبيق للتعبير عن الاهتمام. وعلى غِرار أدهم، فإن ملف تعريف المستخدم كان فارغًا إلا من الحد الأدنى من المعلومات حول اهتماماته ومكان وجوده، مع تحديد المكان الذي يعيش فيه فقط. (قام موقع Drop Site News بتغيير اسمه لحمايته من المُساءلة).
انسجم الاثنان واستمرا بالتحدث لبضع ساعات إلى أن شاركه أدهم بأنه طالب جامعي في الضفة الغربية. دفع ذلك المستخدم إلى مشاركة أفكاره حول عدد من الأساتذة في الجامعة الذين لفتوا الانتباه مؤخرًا لتعبيرهم عن آراء مؤيدة لفلسطين. "أرادني أن أشعر بالاشمئزاز منهم"، يقول أدهم لموقع Drop Site News، "لماذا تحاول إقناعي بأن هذا الأستاذ شخص سيء لمجرد أنه ضد الاحتلال؟ إنه شعور غريب في البداية. بل شديد الغرابة". قَيَّم أدهم الأمر إلى أنه اختلاف في الرأي واستمر الاثنان في الدردشة. في النهاية، أرسل أدهم للمستخدم رقمه حتى يتمكنوا من الدردشة على تطبيق واتسآب.
بمجرد انتقال المحادثة إلى منصة أخرى، كشف المستخدم عن هويته لأدهم. "كان ذلك عندما أخبرني بأنه يعمل لدى المخابرات الإسرائيلية"، يقول أدهم. باستخدام رقم تليفون أدهم، تعرف عليه المستخدم وبدأ بمراسلته بأسماء وصور أفراد عائلته التي وجدها على ملفهم الشخصي على منصة التواصل الاجتماعي فيسبوك. لم يكن قد شارك حتى اسمه مع المستخدم، ناهيك عن أي شيء يمكن أن يدله إلى أفراد عائلته، لأنه لم يصارح عائلته بهويته الجنسية. "بدأت في البكاء ولم أكن أعرف ماذا أفعل"، يقول أدهم.
قام أدهم بحظر حساب المستخدم على جرايندر، لكنه سرعان ما بدأ في تلقي رسائل SMS تكرر نفس التهديدات. "كانت ليلة كاملة منذ منتصف الليل حتى شروق الشمس"، يقول أدهم، "ظل يهددني قائلا إنه سيفضحني".
أخبر المستخدم أدهم أنه سعى للحصول على معلومات استخبارية عن أحد أبناء عمومة أدهم، والذي كان محتجزًا لدى سجون الاحتلال الإسرائيلي في ذلك الوقت في انتظار المحاكمة للاشتباه في تورطه مع كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس. "أخبرني أنه يجب أن أذهب إلى منزل والديهم لأقوم بتفتيشهم واستجوابهم للحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات عنهم"، يتذكر أدهم، "وأخبرني أنه لا يمكنك الهروب منا. نحن نعرف أين تعيش، ولذلك قمت باستخراج بطاقة الSIM الخاصة بي، ورميتها، وأطفأت هاتفي".
في الصباح التالي، فحص أدهم هاتف والدته باستمرار للتأكد من أنها لم تتلقى أي رسائل. حدث من قبل أنه تم تسريب محادثات أحد أصدقائه وصوره على جرايندر وإرسالها إلى أصدقائه وعائلته، بعد أن تلقى رسائل تهديد مشابهة من مستخدم ادَّعى أنه مسؤول استخبارات إسرائيلي. لم يتمكن موقع Drop Site News من التحقق من أن الرسائل الموجهة إلى أدهم جاءت من مسؤول استخباراتي. لكن مسؤولًا سابقًا في الوحدة 8200، وحدة استخبارات الإشارات الإسرائيلية، أكد تورط الشاباك، وكالة الأمن الداخلي الإسرائيلية. وامتنع جيش الدفاع الإسرائيلي عن التعليق.
في أعقاب 7 أكتوبر/تشرين الأول، شنّت إسرائيل غارات على ما كان كثيرون يعتبرونا في وقت مضى "فقاعات محصّنة" في الضفة الغربية، بحسب تعبير أحد الفلسطينيين. نقاط التفتيش للدخول والخروج من الأراضي الخاضعة لولاية السلطة الفلسطينية، والتي كانت مفتوحة قبل الحرب، أصبحت تُغلق الآن لأي سبب. ولا تزال الحياة في الضفة الغربية مجمدة في الوقت الحالي، وفي حالة حداد مستمرة. النوادي الليلية، مركز حياة الشباب والمثليين في رام الله، لا تزال فارغة. تلاشى جو الانفتاح في مراكز المدن الفلسطينية مع استمرار ارتفاع عدد القتلى اليومي في غزة.
تحدثتُ خلال الأشهر العديدة الماضية مع عشرات الفلسطينيين المثليين الذين واجهوا مواقفًا مع المخابرات الإسرائيلية. تلقى الكثيرون رسائل تهديد عبر جرايندر، أو إنستجرام، أو فيسبوك، من شخص مجهول لديه معلومات التعريف الخاصة بهم، وبالتالي أجبرهم على التحول إلى مُخبرين. وأدى ذلك بدوره إلى زرع الشكوك وانعدام الثقة في جميع أنحاء الضفة الغربية.
جلال أبو خاطر، الذي يعمل في مركز حملة، وهي منظمة فلسطينية للأمن الرقمي، يقول "إن هدف إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة هو السيطرة والسيادة والقهر". بالنسبة إليه، فإن هدفها الأكبر هو "بث الخوف في نفوس الفلسطينيين، وبالتالي منعهم من التصرف أو التواصل الاجتماعي بشكل طبيعي".
"الحد الوحيد هو الموارد"
في يوليو/تموز، التقيت بضابط سابق رفيع المستوى في الوحدة 8200، وحدة المخابرات الإسرائيلية التي تعترض بشكل أساسي الاتصالات وتراقب أماكن وجود الأشخاص موضع الاهتمام. يقول الضابط إن هناك "فقاعة من السرية" بين الإسرائيليين تدعم فكرة الوحدة 8200 باعتبارها مجرد وكالة دفاعية تستهدف الإرهابيين. لكن في الواقع، للوحدة دور كبير في زراعة المخبرين في جميع أنحاء الضفة الغربية. وبالفعل، كانت مهمة المسؤول السابق الحفاظ على ثقافة الخوف وانعدام الثقة في جميع أنحاء الضفة الغربية. "لا توجد تفاصيل قانونية تحتاج إلى التعامل معها. لا توجد استشارة قانونية. يمكن لأي شاب يبلغ من العمر 18 عامًا أن يقرر وضع شخص ما تحت المراقبة "، يقول، "الحد الوحيد هو الموارد."
على مدار معظم سنوات خدمته الستة، تمتع المسؤول السابق بحكم منصبه بإمكانية الوصول إلى معلومات عن المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية، والتي استعملت لابتزازهم مقابل الحصول على معلومات استخبارية حول قائمة أهداف الوحدة 8200 دائمة التوسع. يقول، مستشهدًا بأحد الأمثلة، عندما تكون ابنة الشخص المعني مصابة بالسرطان، "يمكنك المساعدة، أو يمكنك منع هذا العلاج الذي قد يحصل عليه". قد يقول ضابط إسرائيلي شيئًا مثل، "سيكون الأمر فظيعًا حقًا، كما تعلم، إذا حدث شيء ولم تستطع الحصول على هذا العلاج يوم الإثنين. لكن من ناحية أخرى، يمكنني التأكد من حصولك على هذا العلاج". ولهذا "تتطور العلاقة". هذه الأساليب -التي تهدد بحجب الخدمات عن مواطن فلسطيني ما لم يتعاون مع السلطات الإسرائيلية- تنتهك القانون الدولي، وفقًا لتقرير صدر عام 1994 عن منظمة بتسيلم، والذي أشار أيضًا إلى أن إسرائيل أجبرت عشرات الآلاف من الفلسطينيين على العمل كمخبرين منذ عام 1967.
"إن هدف إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة هو السيطرة، والسيادة، والقهر… لبث الخوف في نفوس الفلسطينيين، وبالتالي منعهم من التصرف أو التواصل الاجتماعي بشكل طبيعي."
يقول المسؤول السابق إنه تلقى تعليمات وزملائه بمراقبة الكلمات العربية مثل "مثلي الجنس" و "علاقة غرامية" عند مراقبة اتصالات الأهداف المحتملة. "أنت تراسل شخصًا ما على فيسبوك أو على منصة أخرى بهدف خلق نوع من التواصل. في البداية يجب أن تبدو غير ضار، لذلك تبدأ بشكل تدريجي، وتبدأ بشيء حميد تمامًا، ثم شيئًا فشيئًا يمكنك خلق علاقة أقوى"، يقول. "قد تُصرِّح أيضًا بطريقة أو بأخرى أنك تعرف أن هذا الشخص مثلي الجنس. ليس عليك التهديد بشكل صريح ".
في إحدى الحالات، تعرض دانيال، وهو فلسطيني اعتاد العمل لدى الكنيسة الكاثوليكية، للتهديد من قبل شخص على فيسبوك، والذي قال إن لديه أدلة على مثليته الجنسية. كتب المستخدم "نحن نعلم أنك عار على المسيحية والفلسطينيين بطبيعتك المثيرة للاشمئزاز، وسأفضح حقيقتك"، وهدده "سأخبر العالم كله أنك مثلي وأنك تشكل خطرًا على أطفال هذا المجتمع. أنت مثير للاشمئزاز ولن تصل إلى أي مكان أبدًا لأنني سأوقفك". يقول دانيال إن الطريقة الوحيدة التي يمكن لشخص ما أن يعرف عن حياته الجنسية هي إذا كان قد راقب تاريخ بحثه على الإنترنت. (قام موقع Drop Site News بتغيير اسمه لحمايته من المُساءلة.)
على مدى العقود، كشفت العديد من التحقيقات كيف تستهدف المخابرات الإسرائيلية أفراد مجتمع الميم. في عام 2013، نشرت منصة ڤايس Vice الإعلامية تحقيقًا يوضح بالتفصيل كيف أن قوات الأمن الوقائي التابعة للسلطة الفلسطينية، تحت إشراف جيش الدفاع الإسرائيلي، عزلت الفلسطينيين المثليين عن مجتمعاتهم، واحتفظت بملفات عنهم، واستغلتهم للاستخبارات. في عام 2015، كشفت تقارير إخبارية أن إحدى شركات تكنولوجيا المراقبة، و التي يديرها مسؤول سابق في الوحدة 8200، ساعدت في تزويد أوغندا ببرامج ضارة يُزعم أنها تستخدم ضد نشطاء مجتمع الميم.
"يعتقد الإسرائيليون أننا نستهدف الأشرار -نحن نستهدف الإرهابيين- أشخاص عنيفين، وهذا صحيح بالفعل"، يقول المسؤول السابق في الوحدة 8200، "ولكن إذا كنت تريد دائرة ثانية، ودائرة ثالثة، ودائرة رابعة، فإن أي شخص يصبح هدفًا. وإذا كان بإمكانك ابتزاز شخص للتعاون، فأنت تريد أن تحاول تجميع أكبر قدر ممكن من القذارة".
التعاون القسري
بالنسبة للفلسطينيين المثليين الذين ابتزتهم إسرائيل، فإن السؤال المستحيل أمامهم هو ما إذا كان يجدر بهم المخاطرة بالكشف عن هويتهم الجنسية أو التعاون.
في شهر يوليو/تموز من عام 2023، كان رجل يطلق على نفسه اسم محمد يقود سيارته من الضفة الغربية إلى القدس مع رجل فلسطيني التقى به على تطبيق جرايندر. وبينما يحمل محمد بطاقة هوية القدس التي تسمح له بالتنقل بحرية بين الأراضي المحتلة وإسرائيل، لا يزال يتعين عليه المرور عبر نقاط التفتيش عند الدخول والخروج. وعندما وصل إلى نقطة تفتيش الجيب مع شريكه، أوقفه جندي إسرائيلي وطلب منه فتح هاتفه لإجراء فحص أمني. امتثل محمد قائلاً للجندي: "يمكنك تفتيش سيارتي. يمكنك التحقق مني. لن تجد شيئًا". ثم التفت الجندي إلى محمد وأشار إلى أيقونة جرايندر، وقال "لا، لديك هذا التطبيق هنا. هذا ليس جيدًا".
لمدة خمس ساعات، تم احتجاز كل من محمد وشريكه. يقول محمد إن مسؤولًا إسرائيليًا قام بالتفتيش في محادثاته وصوره الحميمة على جرايندر، وسأله عن لقاءاته مع فلسطينيين آخرين. طلب من محمد العمل معهم كمتعاون، وعرض عليه مدفوعات بالشيكل ووعد بعدم اعتقاله. وعندما رفض محمد، ضربه الجنود الإسرائيليون لمدة ساعتين متتاليتين.
تتوافق رواية محمد مع ما وصفه أبو خاطر بالممارسة الشائعة بين الجنود الإسرائيليين، وهي إجبار الفلسطينيين على فتح هواتفهم لتفتيش رسائلهم الخاصة وصورهم عند نقاط التفتيش أو في الشارع. وأضاف قائلاً إنه "بناءً على هذه المعلومات، يمكنهم احتجاز، أو استجواب، أو اعتقال الفلسطينيين بحجة استهلاك مواد إرهابية"، وذلك في إشارة إلى مقالات حول الأحداث في غزة.
بعد إطلاق سراح محمد وشريكه، تمت إعادة محمد إلى منزل عائلته الكائن في رام الله. سألته والدته عما حدث، فأخبرها أنه خاض شجارًا. كذب محمد لسبب وجيه، لأنه كان يخشى التبعات القوية للغاية من مجتمعه التي واجهها المتهمون بالتعاون، والتي تُعرف بـ"الإسقاط".
إن مسؤولاً إسرائيلياً قام بالتفتيش في محادثاته وصوره الحميمة على جرايندر وسأله عن لقاءاته مع فلسطينيين آخرين. طلب من محمد العمل معهم كمتعاون. وعندما رفض محمد، ضربه الجنود الإسرائيليون لمدة ساعتين متتاليتين.
في شهر أبريل/نيسان من عام 2023، أعدمت عرين الأسود، وهي جماعة مقاومة مسلحة في مدينة نابلس، علنًا شابًا يُدعى زهير الغليظ بعد ظهور مزاعم بأنه كان مخبرًا لإسرائيل. في اعتراف قسري نشرته عرين الأسود له على تيليجرام Telegram، قال الغليظ إنه كان على علاقة حميمة برجل آخر على جرايندر، والذي علم لاحقًا أنه يعمل لصالح المخابرات الإسرائيلية. وكان ضابط المخابرات قد ابتزه بشريط جنسي، ما أجبره على تبادل المعلومات حول مكان وجود مقاتلي عرين الأسود. لم يتمكن موقع Drop Site News من التحقق بشكل مستقل من مزاعم الغليظ. أثار مقتل الغليظ جدلًا في جميع أنحاء الضفة الغربية، وقال لي فلسطيني: كيف يمكن أن يخشى رد فعل عائلته ومجتمعه تجاه حقيقة هويته الجنسية أكثر من عواقب التعاون مع الإسرائيليين؟
بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، انحسرت أي مناقشات مماثلة. لم تترك الأحداث في غزة مجالًا كبيرًا للتفكير في كيفية وأسباب ابتزاز الفلسطينيين المثليين للتعاون مع الإسرائيليين. يقول المسؤول السابق "أنت فقط تريد خلق جو من الرعب، والوشاية لإضعاف الثقة والطمأنينة. تريد أن يشك الجميع في الجميع طوال الوقت. فذلك ما يخدم النظام ويدمر المجتمع الخاضع للسيطرة".
في يناير/كانون الثاني من عام 2024، أعدم لواء طولكرم، وهي مجموعة مليشيات فلسطينية، رجلًا فلسطينيًا يُدعى جمال حافظ جابري بعد أن أبلغ الإسرائيليين بمكان وجود مقاتليهم، ما أسفر عن مقتل أربعة. في اعتراف قسري مشابه لاعتراف الغليظ، قال جابري إن ضابط مخابرات إسرائيلي اقترب منه تحت ستار لقاء جنسي. في جميع أنحاء فلسطين، أدت كلتا الحالتين إلى تفاقم مخاوف مجتمع الميم من أن عمليات المخابرات الإسرائيلية ستثير المزيد من الكراهية ضدهم، خوفًا من تعرضهم للتحول إلى مخبرين.
"ملاذ آمن للمثليين"
تُشكل مثل هذه الأساليب تناقضًا صارخًا مع جهود إسرائيل لتصوير نفسها على أنها ملاذ آمن للمثليين في الشرق الأوسط، في حين تصور فلسطين على أنها منطقة رجعية معادية للمثليين.
في أعقاب هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول والحرب الإسرائيلية في غزة، انتشرت على تويتر صورة لجندي إسرائيلي يرفع علم الفخر فوق أنقاض خان يونس. وصفه النقاد بأنه مثال على "الغسيل الوردي"، أي أن تنشر مؤسسة ما رسائل مؤيدة لمجتمع الميم بهدف صرف الانتباه عن أفعالها البغيضة أو تغليفها. كما سخر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من الشعار التضامني "مثليون من أجل غزة" باعتباره بمثابة قول "دجاج من أجل كنتاكي فرايد تشيكن".
غالبًا ما يشير المسؤولون الإسرائيليون إلى قانون عهد الانتداب البريطاني الذي يُجَرِّم الأفعال الجنسية المثلية ويعاقب عليها بالإعدام في فلسطين. ولكن هذا القانون لا يتم تطبيقه.
"من خلال المساهمة في محو الأجساد والأصوات الفلسطينية، فإنها تساهم في نزع الصفة الإنسانية من الناس في الضفة الغربية وقطاع غزة -سواء كانوا مثليين أو مغايرين- بل وهي محاولة لتبرير التسلسل الهرمي للحياة الذي يميز الإسرائيليين عن الفلسطينيين"، يقل سعيد عطشان، أستاذ مشارك في كلية سوارثمورو يدرس الجنس والجندر في فلسطين.
في عام 2014، نشر ما يقارب عشرين من مسؤولي المخابرات الإسرائيلية رسائل يعلنون فيها رفضهم لإكمال خدمتهم الاحتياطية في جيش الدفاع الإسرائيلي بسبب انتهاكاته للحقوق الفلسطينية في الضفة الغربية. وكتبوا أن "السكان الفلسطينيين الخاضعين للحكم العسكري معرضون تمامًا للتجسس والمراقبة من قبل المخابرات الإسرائيلية"، وأن "ذلك يُستخدم للاضطهاد السياسي وخلق انقسامات داخل المجتمع الفلسطيني من خلال تجنيد المتعاونين وتحريض أجزاء من المجتمع الفلسطيني ضد أنفسهم".
ومع ذلك، قاومت بعض مجموعات الدفاع البارزة عن مجتمع الميم في فلسطين. رداً على رسالة الوحدة 8200، فإن القوس، وهي مجموعة بارزة تُعنى بالقضايا الكويرية في فلسطين، كتبت أنه في حين أن ابتزاز أفراد المجتمع هو "عفعل قمعي صارخ، بيدَ أنه لا يزيد أو يقلُّ قمعاً عن ابتزاز الأفراد على خلفيات أخرى مثل افتقارهم إلى الرعاية الصحية وتعطيل حريتهم بالتنقل والتهديد بكشف خياناتهم الزوجية وشؤونهم الماليّة وتعاطيهم المخدّارات أو أي خلفيّة أخرى". مسؤول المخابرات الإسرائيلي السابق أكد أنه يمكن استهداف الفلسطينيين لعدد من نقاط الضعف المختلفة، بما في ذلك تلك المُدرجة في رسالة القوس.
يقول عطشان إن رد القوس "دفع النشطاء إلى أزمة بشأن إذا ما كانوا قد 'انتقوا' القضايا الجنسانية من نشاطهم، وما إذا كان من الممكن حقًا وضع كل ما يحدث للفلسطينيين في سياقه الصحيح". في الأول من مارس/آذار، اعتقلت إسرائيل عمر الخطيب، ناشط فلسطيني كان يعمل سابقًا لدى القوس، والذي كتب على نطاق واسع عن قضايا الجنس والجندر في فلسطين، وهو محتجز دون تهمة. وفي يوليو/تموز، مددت إسرائيل احتجاز الخطيب الإداري لمدة أربعة أشهر.
"أبكي وأدعو"
استغرق الأمر بضعة أسابيع من الدردشة على جرايندر حتى وافق أدهم على مقابلتي شخصيًا. في نهاية المطاف، أرسل لي موقعه على واتسآب، وطلب مني مقابلته في مبنى شقته. توجهنا معًا إلى مقهى قريب، وهو لا يزال مترددًا بشأن ما إذا كان باستطاعته التحدث معي. فقد اعتقلت إسرائيل عشرات الطلاب في جامعة بيرزيت بالضفة الغربية منذ أكتوبر/تشرين الأول، ولم يستبعد احتمال أني أعمل لصالح المخابرات الإسرائيلية.
قال متذكراً تجربته على جرايندر: "اعتقدت أن مكروهًا ما سيصيبني في تلك الليلة"، و"أنهم سوف يأتون لاعتقالي. وسيقومون بالنشر على يوتيوب" أنه مثلي الجنس. "لذلك بقيت مستيقظًا في تلك الليلة، فقط أبكي وأدعو ألا يحدث شيء".
في اليوم التالي، سأل أدهم والدته ووالده عن هواتفهما. وانتظر بتوتر ليرى ما إذا كان أي شخص سيحاول الاتصال بهما أو أن يكشف هويته الجنسية للمجتمع الفلسطيني.
"على الرغم من أنه سيتم الكشف عن هويتي الجنسية وستعرف عائلتي، إلا أنني أفضل تجربة هذا على الذهاب وخيانة عائلتي"، يقول أدهم، "ولذا أخبرته بذلك". وفي حين أن الشخص لم يتابع تهديداته، لا يزال أدهم قلقًا من أنه إذا تم توجيه الاتهام إلى أبناء عمومته أو تقديمهم للمحاكمة، فسيحاول ذلك الشخص مرة أخرى الضغط عليه للتعاون.
يقول أدهم إنه سيتعين عليه التعايش مع عواقب اختياراته. استدرك أن العالم يهتم أخيرًا بجرائم إسرائيل في فلسطين، وهو تحول يجلب له راحة كبيرة.
"بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، العالم بأجمعه أصبح يعرف. العالم يستمع لما يحدث،" يقول محمد.
Arabic translation by Jameela Shrouf